أندلس الحضارة والعلاقات الإنسانية.

يبين الشعر العربي أن الأندلس عاشت في مخيلة ساكنيها، تبدو وكأن سكانها بنوها كما أحبوا أن تكون؛ طوروا الزراعة، والحدائق، والبيئة الحضارية، والطبخ. طوروا طريقة لفهم الزمن والشعر، والعلاقات الإنسانية. لقد طوروا مجموعة كاملة من القيم، هذه القيم مثلت في مجموعها الحلم العربي. حتى في هذه الأيام عندما يتحدث عربي عن الأندلس فإنه يستذكر بشغف حلمًا. إنه يستذكر السلطة والخلافة الإسلامية، في الواقع يتحدث عن إنجاز حضاري عملاق، يحتاج العالم الإسلامي بشدة الآن أن ينجز مثله ليؤكد جدارته واستحقاقه وفرادته وتميزه. مؤرخ: قبل الفتح الإسلامي لم تكن هناك حضارة أندلسية، كانت هناك بقايا حضارة رومانية قديمة مزدهرة ذات خصائص إسبانية، جاء المسلمون ووجدوا إسبانيا تحت سيطرة القوط الغربيين، ولكنها كانت تحتفظ بالتقاليد الثقافية والاجتماعية للعالم الروماني. في عام سبعمائة وعشرة قام النبيل الأوروبي "جوليان" بزيارة والي شمال إفريقيا "موسى بن نصير"، ورسم له صورة زاهية لثروات إسبانيا، وأكد له أنها بلاد يسهل فتحُها؛ لتفسخها وتفاقم وضعها السياسي. كانت حملة المسلمين على شبه جزيرة "أيبيريا" آخر حملات العرب الكبرى وأروعها، وقد نجم عنها توسيع رقعة العالم الإسلامي باكتساب أكبر منطقة أوروبية وقعت في أيدي المسلمين. وجه موسى مولى له يُدعى "طريفًا" على رأس أربعمائة راجل ومائة فارس للاستكشاف، وكان ذلك في تموز عام سبعمائة وأحد عشر، وشجعه نجاح هذه البعثة؛ فأتبعها ببعثة أخرى من سبعة آلاف رجل، بقيادة طارق بن زياد الذي دُعي المضيق باسمه بعد ذلك. وفي بضعة أشهر استطاع طارق -بفضل الله- وتوفيقه أن يفتح نصف الجزيرة الأيبيرية، وأن يدخل نور الإسلام إلى أوروبا من جهة الجنوب. مؤرخ: كانت لهذه الحملة من حيث السرعة التي تمت فيها مكانة فريدة في تاريخ الحروب في العصور الوسطى، فقد تم فتح الجزيرة كلها في مدة لا تزيد عن سبع سنوات، ولكن توحيد القوة الإسلامية وتماسكها قد يكون أكثر صعوبة. لم يأت الخطر الحقيقي على هذه القوة من أمراء القوط، بل جاء من الصراعات الداخلية التي تحولت في آخر الأمر إلى قتال بين الإخوة، وبعد قيام الدولة العباسية عام سبعمائة وخمسين أضيف إليها الصراع بين الموالين للبيت الأموي السابق، والموالين للدولة العباسية الجديدة. ولكن أميرًا أمويًا شابًا نجا من أيدي العباسيين، واستطاع أن يصل الأندلس ويجمع المسلمين حول رايته. ولما توحدت البلاد واستتب الأمن فيها أخذ "عبد الرحمن الداخل" يوجه انتباهه نحو الفنون والعلوم، فأثبت أنه بارع فيها براعته في فنون الحرب، فوضع أساس الحركة الفكرية التي جعلت الأندلس إحدى أهم مركزين في الثقافة العالمية ما بين القرنين التاسع والحادي عشر. بلغت الأندلس أوْج مجدها خلال حكم "عبد الرحمن الناصر"، وخلفه "الحكم الثاني"، فتسنمت قرطبة مركزًا ساميًا، واعتزت بما احتوته من مظاهر الثقافة، فكانت جامعة قرطبة في عداد معاهد العلم الراقية في العالم الإسلامي، وبزّت الزيتونة والقيروان في تونس، والأزهر في القاهرة، والنظامية في بغداد، وقصدها الطلاب من مسلمين ونصارى، لا من إسبانيا فحسب، بل من بلدان أوروبية أخرى أيضًا ومن أفريقيا وأسيا. وكان كلما احتاج أمراء "ليون" أو "برشلونة" جرّاحًا أو مهندسًا أو عالمًا وجهوا طلبهم إلى قرطبة. بلغت أنماط البناء الإسلامية التي نشأت وارتقت في قرطبة درجة عالية من الكمال والجمال، واتصلت بطليطلة وسواها من المدن. مؤرخ: طليطلة مدينة تعايشت فيها ثلاث حضارات، الثقافة الإسلامية لعبت دورًا رئيسًا في تاريخ المدينة، دخل الفاتحون المسلمون من هنا. العديد من الكنائس في طليطلة اشتراها المسلمون آنذاك وحولوها إلى مساجد؛ لأن المساجد أماكن للعبادة. الأقواس هنا على شكل حدوة حصان، وقد أصبحت رمزًا معماريًا، عندما تتجول في طليطلة، تجد تكاملاً ثقافيًا بقي هنا لعدة قرون، في طليلة كما في القدس، ليس هناك حد فاصل بين الثقافات، كل حجر، كل طراز، روح طليلطة ذاتها مثال على اندماج ثقافات مختلف الديانات والأجناس. المعلق: أدخل العرب إلى الأندلس الأساليب الزراعية المألوفة في آسيا الغربية وزرعوا مختلف الأنواع من شجر النخيل والعنب، وجاءوا بنباتات متنوعة وغروس أشجار مثمرة، وكما نقلوا شجيرات النخيل إلى الأندلس، نقلوا إليها فن البناء العربي، وانقرضت معظم معالم هذا الفن باستثناء مسجد قرطبة، وهو من أقدم تلك الآثار وأفخمها، وكان يدعم سقفه ألف ومائتان وثلاثة وتسعون عمودًا ظهرت كغابة كثيفة من الأشجار. أما الآثار المدينة الباقية فأبدعها القصر في إشبيلية، والحمراء في غرناطة بزينتهما الرشيقة. وقد بلغت أصول الزخرفة العربية أوْجها في الحمراء، وما فيه من الإفراط في استخدام الفسيفساء، والأشكال المقرنصة، والنقوش المختلفة. وظهرت النقوش والرسوم على الجدران والسقوف، ولم تعد العين ترى البناء نفسه لكثرة ما فيه من عقود وزينات. كان للأندلس أثر رائع في التاريخ الفكري للعصور الوسطى الأوروبية، فقد كانت الشعوب التي تتكلم العربية في منتصف القرن الثامن حتى بداية القرن الثالث عشر حاملة لمشعل الثقافة والمدنية في العالم أجمع. وعن طريق هذه الشعوب تسنى لعلوم القدماء أن تعيش وتزدهر وتعود إلى أوروبا بعد أن شُرِحت ونمت؛ بحيث سهلت السبيل لبزوغ عصر النهضة في أوروبا، وقد ساهمت في هذا كله إسبانيا العربية، ولعبت فيه دورًا مهمًّا. مؤرخ: جاء المسلمون إلى إسبانيا وكان اليهود يعيشون فيها منذ عدة قرون، وقال المسلمون: نحن أصحاب لغة حملت آخر الرسالات، وآخر الكتب القرآن، نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالعربية. رد اليهود: لغتنا نقلت الرسالة الأولى التي كانت مصدر كل شيء، والقرآن يعترف بهذا. وهكذا بدأ نوع من التنافس بين هاتين اللغتين والثقافتين ومدارسهما الفكرية. كان التنافس شديدًا، كانت تلك الفترة -بدون شك- أثرى الفترات في تاريخ إسبانيا، يدعو القرآن لحماية أهل الكتاب وهذا غير عاديّ؛ لأن الأديان الأخرى لا تعترف بمن لا يعتنقون الدين نفسه، إذن فهذا عامل تسامح مسبق. 
<DIV align=right><A href="http://www.majddoc.com/main.aspx?function=Item&id=13435#top" target=_blank><IMG alt="" src="http://www.majddoc.com/cms/images/icons/totop.gif" onload=NcodeImageResizer.createOn(this); border=0 originalHeight="18" originalWidth="57"></A> </DIV>
وتحت حكم الخلافة في إسبانيا أولئك الذين يدفعون الجزية-وهي ضريبة غير المسلمين- كانوا يتمتعون بحماية الدولة ويعفَوْن من الجهاد، إذن هذا مثال على التسامح. بلغت الأندلس أوْج ازدهارها عندما تألقت الخلافة، عندما كانت طليلطة تحت الحكم الإسلامي. أهالي طليطلة اعتبروا أنفسهم أندلسيين، لم تكن مجرد منطقة صغيرة في الجنوب؛ ولأنك جزء منها سمح لك بممارسة أيٍّ من الديانات الثلاث، فأنت حر في اختيار دينك ومسجدك أو كنيستك أو كنيسك، ويمكنك أن تعيش بأمان، فلا إكراه في الدين، هذا هو الدرس العظيم للتجربة الأندلسية. إنه درس لنا في إسبانيا، ولمن لديهم استعداد لقتل من يختلفون معهم فكريًا. ازدهرت حضارة العرب في الأندلس وبلغت أوجها؛ رغم أنهم لم يجدوا فيها شيئًا من الفكر والثقافة كما وجدوا في البلدان الأخرى التي فتحوها كمصر وسوريا والعراق وفارس، ولمعت في سمائها أسماء عريضة لعلماء كثر كـ"ابن رشد"، و"ابن طفيل"، و"ابن خُلدون" وغيرهم من الأعلام. وفي الوقت الذي لم يكن في شوارع لندن قنديل عمومي واحد، كانت قرطبة تزهو بشوارع تمتد عدة أميال مضاءة بقناديل تطل عليها من المنازل المحاذية. كان "الحكم الثاني" سببًا في ازدهار الحركة العلمية في الأندلس، فقد كان محبًّا للعلم والعلماء، فجمعهم من كل الأقطار، وانتشر رجاله في كل مراكز الثقافة الإسلامية يبحثون عن النادر من الكتب والمخطوطات، ويدفعون أعلى الأثمان بغية الحصول عليها، فتجمع في مكتبة قرطبة حوالي أربعمائة ألف مجلد، وحشد للاعتناء بهذه الكنوز جيش من الناسخين والمجلدين. وقد بلغت الثقافة في الأندلس مستوًى عاليًا في ذلك الزمن، هذا بينما كانت أوروبا لا تعرف من العلوم إلا مبادئ بسيطة مقصورة على رجال قلائل. واقتداءً بالخليفة أنشأ الأمراء والوجهاء مكتباتهم الخاصة، وكما كان سائدًا في قرطبة، وطليلطة، وبلنسية، وغرناطة جمعوا حولهم الشعراء والعلماء والمفكرين، ووفروا لهم أفضل الظروف وأقصى درجات الرفاهية، وكان من الطبيعي أن تصبح اللغة العربية لغةً للإدارة والسياسة والقانون، ولغة للتجارة والمعاملات وجمهور الناس. وقد امتزجت اللغة العربية بالناس وطبعتهم بطبعها، فكونت تفكيرهم ومداركهم وشكلت قيمهم وثقافتهم، فأعطت للأجناس المختلفة وجهًا واحدًا مميزًا. مؤرخ: تتحدث معظم القصائد الأندلسية عن جمال الأندلس وطبيعتها وحسنها الفتان، كانوا يشعرون فعلاً بأنهم يعيشون في مكان رائع. وهذا الشعور بقي سائدًا في الأندلس لفترة طويلة، فأهل الأندلس يعتقدون أن إشبيلية والأندلس هما أفضل مكانين في العالم، في إشبيلية تجد أروع الحدائق، كما تجد أجمل وأبهى المناظر الطبيعية. ورغم أن هذا الشعور لم يعد بتلك القوة هذه الأيام، إلا أنه يعكس شعور الأندلسيين في ذلك الزمن الذي كانوا يعتقدون فيه أنهم يعيشون في أفضل مكان في العالم. تأثرت اللغة الإسبانية باللغة العربية، ودخلتها أربعة آلاف كلمة عربية. مؤرخ: شيئًا فشيئًا بدأ الإسبان يدخلون في الإسلام، وتقبلوا العربية للحديث والإبداع، ومع ذلك احتفظوا بلغتهم، فأصبحوا يتكلمون العربية إضافة إلى لغتهم. كان التحول بطيئًا على مدى ثلاثمائة سنة ما بين القرن الثامن والقرن العاشر، خلال فترة الخلافة حتى القرن العاشر كان حوالي 30% من الناس ما يزالون نصارى، ولكن لسانهم أصبح عربيًا لحد ما كما حدث لعاداتهم. ولكن انصراف بعض الأمراء إلى اللهو كان من الأسباب التي أثارت نقمة الناس؛ فدخلت الأندلس في فترة من الاضطرابات الأهلية، بدأها نفر من الفقهاء وطلاب الفقه في قرطبة عام ثمانمائة وخمسة، وانتقلت إلى مختلف أمصار الأندلس. وعندما تسلم "عبد الرحمن الثالث" الحكم عام تسعمائة وستة عشر، كانت الدولة الإسلامية الكبرى التي نظمها "عبد الرحمن الداخل" قد تقلصت، فلم يكن لها سلطة إلا على قرطبة والأنحاء المجاورة. مؤرخ: طوال القرن التاسع كان هناك الكثير من الصراعات الداخلية، وقد غذى حكام النصارى القشتاليين صراعات المسلمين الداخلية، وأمدوا بعض الأطراف بالدعم العسكري لإشعال نار الفتنة بينهم. هذا التوجه استمر طوال القرن التاسع، خلال فترة حكم ملوك الطوائف، وحتى في القرن الثاني عشر، جاء الكثير من المرتزقة من الشمال. وكان السيد "ألكان بيتور" مثالا ونموذجًا لمحارب قشتالي خدم السلطات المسلمة كمرتزق، كما خدم أهدافه السياسية والدينية كنصراني. وسيد نبيل قشتالي اسمه "رودريجو دي بي فار" انخرط في أول عهده في خدمة "ألفونسو السادس"، أما نعته بـ"السيد الكامبيتور" فإنه أحرزه في خدمة بني هود بـ"سرقسطة"، وكان سيد يقارع المسلمين اليوم وينقلب على أبناء دينه غدًا حسبما تقوده الأحوال. رغم أن الوضع العام كان عدائيًا، فقد قامت تحالفات عسكرية وسياسية بشكل رئيس. كان النصارى هم الذين تقبلوا عادات وأعراف المسلمين؛ نظرًا لما لمسوه عن كثب لديهم من كرم ورحمة وتسامح، وخير مثل على ذلك أن الملك القشتالي "ألفونسوا السادس" لجأ إلى المسلمين عندما طرده أخوه عن العرش والبلاد، فأكرم المسلمون وفادته، لقد عامله "يحيى بن مأمون" ملك "طليطلة" كأحد أبنائه، وأبقاه لديه عدة سنوات في قصر خاص، زوده بكل وسائل الراحة. النصارى في الشمال انقسموا بين شعور بالعداء رغبة في التخلص من سيطرة المسلمين على شبه الجزيرة الأيبيرية، وشعور بالإعجاب بثقافة المسلمين ومظاهر حياتهم الأخرى. في إسبانيا نفسها في المناطق التي استعادها الكاثوليك لم يكن غريبًا أن يرى العديد من الأمراء وقد تبنوا مراسم بلاط الخليفة، وأحاطوا أنفسهم بالكتاب والشعراء، حتى أن بعضهم سكنوا القوط باللغتين العربية والقشتالية. انتهت سيادة العرب على الأندلس عام ألف وأربعمائة واثنين وتسعين، وبانتهاء هذه السيادة انتهت أعظم حضارة عرفتها أوروبا في العصور الوسطى، وانتهى عصر عم فيه الرخاء والخير، وازدهرت فيه العلوم والآداب والفنون إلى حد لم يعرف له مثيل من قبل. مؤرخ: نحن في إسبانيا نشعر بنوع من الحنين الأخلاقي والأدبي إلى تلك الأيام، نحن ندرك أننا أكرهنا على الانفصال عن جزأين رئيسين من ثقافتنا، كوننا إسبان كان يعني أننا نصارى ومسلمون ويهود، ولكن انتهى الأمر بنا إلى أن نكون نصارى فقط. إنه شعور رهيب بالحنين

مشكووور اخي
تقبل مروري

موضوع قيم اشكرك اخى ثائر

» دورات الادارة المكتبية والعلاقات العامة - مركز فضاء قطر للتدريب والتطوير
» دورات الاعلام والعلاقات العامة لشهرى نوفمبر وديسمبر 2013م (protic for training )