تربعت
أخيرا فوق عرش من خشب وقماش ، صنع في مصر .. أحاطها الأهل والجيران بمودة
لم تعهدها من قبل .. تسابقت المراهقات على الالتصاق بها تيمنا وللفوز
بمكانة في الصور الملونة .. بيت المزينة يعبق برائحة الشعر المحروق
والمساحيق .. كادت أن تموت جوعا .. أخذت كل ما تبقى في حقيبتها .. احتلت
نصائح صاحبات الخبرة حيزا كبيرا في ذهنها المشوش .. أعاقتها النصائح
والهمسات عن الولوج إلى عالم الزيجة بشكل طبيعي .. حرصت المسكينة أن تضغط
ساقيها إلى الوراء لتخفي " العراقيب " التي تدلت في الحذاء كحبال السفن ،
نذير سوء الطالع في الموروث الاجتماعي العجائزي .. أخفت ابتسامتها قسرا حتى
لا يقال أنها " هبله " أو " ميتة على الزيجة " أرغمت على الهدوء والصبر
وتحمل "شيطنة " أقارب وقريبات العريس .. أفسدوا مكياجها المكلف بأيديهم
الملطخة بالدهون والحناء الطرية.. هدموا مزاجها بأغانيهم المؤذية "سيقانك
سيقان دجاجة .. ما جبناك إلا مالعازة " كان سوق عكاظ في أوج حرارته ..
سيطرت الشتائم على مضمون الخطاب الفني وبدت ألسنة المراهقات الحمراء مثل
السنة الثعالب .
أحست باضطراب شديد فقد كان الصراع مميتا .. أرادت أن تغادر الكوشة لتقفل
الأفواه الملونة وتوقف الشجار ، لكنها خشيت أن تتهم " بالجلاطة " .. سيطر
عليها الخوف على مصير زيجتها .. بذلت محاولة جدية للإيحاء لأهل العريس
بتضامنها معهم رغم مرارة وصفاقة أغانيهم وشتاويهم .. المهم أن تمر الليلة
على خير .. بدت سعيدة في لحظات السكون القليلة وعندما صعدت سلالم المصوراتي
الذي تحاصره عيون البالغين والغرباء.. استلقت على بطنها تعض على وردة
بلاستيكية كبيرة .. خلفها أمراجع مبتسما ، وخلف صورة لثلاث قطط ونهر .. كل
ذلك لتبدو مثل فتيات الغلاف على المجلات اليمنية .. لم على استعداد
للمغامرة بمراجع .. مسألة فارس على حصان أبيض أو جحش " قاعه " أمر غير ذي
أهمية .. المهم أن تقفز حواجز الألسنة السليطة .. المهم أن تدخل عالم
الزوجات وربات البيوت وقوائم المنتظرات أمام عيادات أمراض النساء .. حتى
دونما شروط وضمانات مسبقة .
أهل أمراجع وأصدقاءه يشعرون بقلق شديد .. هذا الصباح العريس سعيدا ، نشيطا
.. وفر الاحتياجات بسرعة البرق .. لوز .. لحم .. حلوى .. رز قصير .. جميع
الاحتياجات ، غير أنه هذا المساء وبينما كانت تستعد العروس للانتقال إلى
الصالة ، بعد أن تدافعت الجموع في الحافلات نحو بيتها .. شرد ذهن أمراجع ..
ارتخى .. توقف تماما عن الحركة .. .. اجتهد الجميع في تغيير مزاجه المفاجئ
.. فشلوا .. تفجرت في رؤوسهم براكين من الشكوك .. ربما مؤامرة سحر دبرت في
غفلة من أمعائه .. ربما ابتلع لفة شعر .. أو اصبع عجوز ميت .. لعله كوب من
الكسكسي المشبوه المعد بمهارة فائقة .. ولأن المعالجة تتطلب السرعة القصوى
حتى يمكن إعادة العريس إلى وضعه السابق قبل ليلة الدخلة .. فان مسيرة
الساعة تقلصت إلى ربع الساعة .. أصبح أمراجع ببذلته الرياضية في عداد
المنتظرين أمام كوخ الصفيح .. وأسياخ الفولاذ تتوهج في أحضان اللهب والدفوف
تقطع صمت المكان .. جاء دوره .. ما أن أحس باقتراب السيخ الساخن من رقبته،
صرخ ، قفز من نومه مذعورا وقد رسم على واجهة الوسادة دوائر رطبة من العرق
واللعاب .. صدره يعلو ويهبط .. الصداع يقسم جمجمته قسمين .. ألم شديد في
أعصاب وجهه ، ذلك أنه ابتسم وتشنج أكثر من ألف مرة خلال حلمه المرهق